التلوث الضوضائي
م. رابعة بركات
علي الرغم من الفوائد الكبيرة التي قدمتها التكنولوجيا الحديثة للبشرية والإنجازات المتقدمة التي ساهمت في رفاهية الإنسان وتوفير متطلباته فإن هناك أخطارا كبيرة ومشكلات جمة حملتها هذه التكنولوجيا في ثناياها وتسببت وأسهمت في معاناة جديدة لبني البشر .
فلقد أثبتت الدراسات البيئية الدراسات البيئية أن التلوث الضوضائي أصبح مشكلة حقيقية تهدد حياة الملايين من البشر في شتي بقاع العالم وأضحت تلك المشكلة مدار بحث جدي وحقيقي في مؤتمرات وندوات وورش علمية متعددة لم تقتصر علي خبراء البيئة فقط بل يساهم فيها خبراء في المجالات الطبية والصناعية والهندسية وحتي التجارية .
وتبين أن لهذه المشكلة صلة كبيرة بعدد من الأمراض من جهة كما أن لها تأثيرات سلبية واضحة علي التحصيل العلمي والدراسي والإنتاج وحتي في معدات الجرائم .
وحسب هذه الدراسات فإن معدلات الصمم ازدادت لدي الكهول في السنوات الأخيرة بشكل كبير حيث سجلت الإحصائيات الجديدة إصابة أكثر من 50 في المئه في مجتمع الكهول ببريطانيا وحدها بدرجة معينة من نقص السمع .
كما أن معظم الذين يعانون الضجيج في فرنسا من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما فيما تبين أن الطلبة الذين يدرسون في أمكنة يكثر فيها التلوث الضوضائي يتأثرون دراسيا فتهبط معدلات تحصيلهم العلمي من جهة ويعانون مشكلات معينة في السمع من جهة أخري ناهيك عن تأثير الضوضاء علي العاملين في المصانع لا سيما قرب الآلات التي تحدث ضوضاء شديدة .
قياس الضوضاء
ترتبط الضوضاء بالصوت ويعرف العلماء الصوت بأنه شكل من أشكال الطاقة ينتج من التغيرات التي تحدث في ضغط الهواء كالأمواج بالنسبة الي الماء .
إن انتقال الصوت في الهواء يتم بضغط جزيئات الهواء غير المرئية بعضها مع بعض طرق منظمة جدا . وعندما يتذبذب مصدر الصوت فإنه يدفع أمام ذبذباته الهواء ثم يعود إلي وضعه الأصلي ثم يدفع الهواء مرة أخري ويعود وهكذا دواليك إلي أن يفرغ جهد مصدر الصوت أو يوقف .
وهذا التذبذب يحدث حزمات تبادلية متعاقبة من التكاليف والتخلخل في الهواء وينجم عن ذلك نطاق في إثر نطاق من الهواء الكثيف ينتشر بإتجاة الخارج من مصدر الصوت وهكذا عندما يصدر الصوت عن متحدث عادي أو آلات وغيرها فإنه يحدث سلسله من المجالات المتتابعة بحيث تدفع كل موجه من الموجة التي سبقتها حتي تزيد من مسافة إنتشارها إلي أن تصطدم بحاجز وتتلاشي .
وتعرف الضوضاء بأنها التغير المستمر في أشكال حركة الموجات الصوتية التي يترجمها الجهاز العصبي إلي أصوات عالية إنها بإختصار الأصوات غر المرغوب فيها التي تسبب إزعاجا لمن يسمعها .
إن قوة الصوت ولكنها تقاس بوحدة متعارف عليها في الديسيبل وهي لا تعني قوة ( تردد ) الصوت ولكنها مقياس للضغط الناشئ عن الموجات الصوتية المتولدة من مصدر ما وهي بالنسبة إلي الإنسان تقيس قوة إزاحة الهواء من الرئتين ولا للنوع رجلا أو إمرأه في تحديد قوة الصوت وإنما المرجع الأساسي هو الحالة العامة صحة الجسم وقوته .
وتتفاوت قوة الأصوات البشرية أو الحديث وأحوال المتحدثين فلا تزيد في حالة الهمس علي ديسيبل وتصل في المحادثات العادية الي 50 ديسيبل فإذا خرجت الي شارع مزدحم بالمارة والمركبات كان عليك أن تتحمل 70 ديسيبل أما إذا دخلت إلي مصنع يدار بآلات ضخمة فإنك ستواجه الحد الأقصي المسموح به وهو 90 ديسيبل أو أعلي .
وحسب المقاييس الغربية فإن أي زيادة علي 90 ديسيبل تعد غير قانونية ومع ذلك فإننا نجد علي سبيل المثال أجهزة الصوت المجسم منتشرة في المنازل ويحلو للبعض أنيسمعها في أعلي درجة حيث يمكن أن تزيد قوة الصوت علي 125 ديسيبل علما بأن الأصوات التي تزيد علي 150 ديسيبل تصيب الأذن بالصمم الدائم .
تقرير بيئي
في عام 1995اصدرت وكالة البيئة الأوروبية تقريرا خطيرا حمل عنوان " بيئة أوروبا" ذكرت فيه أن 450 مليون شخصا( أي 65 في المئه من سكان أوروبا ) يتعرضون بإنتظام إلي ضجيج حاد يتعدي 55 ديسيبل وهو معدل مرتفع إلي الحد الذي يسبب الإزعاج ويقلق راحة النائمين ويشجع علي السلوك العدواني .
وعلي الرغم من محدودية المعلومات المتوافرة عن الضوضاء وتنوع طرق جمع هذه المعلومات فإن الوكالة الأوروبية استنتجت أن نحو 113 مليون أوروبي يتعرضون بصورة روتينية لضوضاء شدتها 65 ديسيبل وهو معدل يمكن أن يسبب إرتفاع ضغط الدم وأن عشرة ملايين يتعرضون لضوضاء شدتها أعلي من 75 ديسيبل وهو معدل يمكن يمكن أن يؤدي إلي الإجهاد المفرط وإزدياد ضربات القلب وإحتمال فقدان السمع
وفي ألمانيا مثلا هناك نحو 70 في المئه من السكان يشعرون بإزعاج متواصل سببه وسائل النقل والمواصلات وفي هولندا يتعرض أكثر من مليون شخص لمستويات مفرطة من الضجيج بسبب قربهم من أحد المطارات .
تجربة قياسية
في ةعام 1991 بدأت فاليري جيبسون (47 عاما ) حمله ضد التلوث الضوضائي عندما أجبرت علي ترك منزلها في جنوب شرق لندن نتيجة رفض جيرانها تخفيض صوت الموسيقي الصاخبة التي اعتادوا تشغيلها .
وتقول جيبسون كانت تجربة قاسية لي فأنا مازلت أشعر بالرعب عندما أسمع أن أحد الجيران سينظم حفلة كبيرة .
واستناد إلي إحصائية أجرتها الجمعية القومية البريطانية لحماية البيئة والمحافظة علي نقاء الهواء فإن الموسيقي الصاخبة هي المصدر الأول للإزعاج وبناء علي ذلك يستطيع الأشخاص الذين أرهقتهم ضوضاء الجيران أن تقدما في بريطانيا بشكوي للمجلس المحلي لكن تبدو عمليه طويلة وشاقة ناهيك عن إفتقار تلك المجالس إلي المال والإدارة اللازمين لمتابعة تلك القضايا
وقد إتخذ مجلس بلدة كارديف إجراءات عملية بهذا الشأن حيث جري بصورة علنية في الأول من يوليو عام 1998 " يوم التوعية بمخاطر الضوضاء " تحطيم الأداء من أجهزة التسجيل التي صدرت من منتهكي قوانين الضوضاء في السنوات الأربع الماضية .
لقد أسست " جيبسون " التي إنتقلت إلي منزلها الجديد منظمة " شبكة الضوضاء " للقيام بحملة ضد الضوضاء المحلية وتعتبر هذه المرأه شركة إتصالات الكيبل واللاسلكي خصمها اللدود لأنها تنشر إعلانا في مجلتها الشهرية ( كيبل جايد ) يحض القراء علي الضوضاء بقوله " إرفع الصوت واستمع إلي أفضل موسيقي لهذا الشهر "
وتقول جيبسون : إن هذا الإعلان يحرض علي سلوكيات تسئ للمجتمع عندما يشجع علي رفع صوت الموسيقي ورغم أن " سلطة معايير الإعلانات " في بريطانيا رفضت وجة نظر جيبسون فإن هذه الأخيرة لم تستسلم بل واصلت معركتها وأرسلت إلي " مؤسسة الإزعاج والضوضاء "
الحكومية نشرتها وسائل الإعلام عن حالات دفعنت فيها الموسيقي الصاخبة أناسا إلي الإنتحار أو إرتكاب جرائم .
الضوضاء وفقدان السمع
بعد أن درس الأطباء حالات الصمم وإرتفاع أمراض فقدان السمع أو جزء منه إستنجوا أن هذه الزيادة كبيرة في نلك الأمراض تغذي إلي إزدياد نسبة الضوضاء الناجمة عن الأجواء المدنية بسبب زيادة المجتمعات الصناعية كما أن هناك عوامل أخري منها الموسيقي العالية والحياة الصاخبة ووسائل المواصلات ولاحظ الأطباء أن الناس يولون حاسة السمع الإهتمام علي غرار حاسة البعد يعتبرون هذه الحاسة في الدرجة الثانية أو ربما لا يشعرون بنقص السمع إلا إذا وصل إلي درجة حرجة أو عن طريق المصادفة .
وينصح الأطباء بضرورة عدم التعرض لاهتزازات صوتية شدتها أكثر من 90 ديسيبل خلال فترة زمنية تمتد علي مدار ثماني ساعات متواصلة كما ينصح هؤلاء كل العاملين في المجالات الصناعية بمعرفة درجات الضوضاء واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة في هذا المجال وإذا تعرض العامل إلي درجة عالية من الضوضاء تجاوزت 140 ديسيبل ينبغي له الإستراحه مدة 24 ساعة من دون سماع أي أصوات عالية .
وحاليا ثمة أجهزة خاصة لحماية الأذنين من الضوضاء التي يتعرض لها الإنسان يوميا لا سيما في المصانع وأمكنة التفجيرات .
وتؤثر الضوضاء علي الآذان بآليات متعدده منها إحداث تخلخل في عظيمات السمع الموجودة في الأذن الوسطي حيث يحدث تلفيات وصلابة في حركة العظام ونقص السمع التدريجي كذلك يتم عن طريق أذية العصب السمعي والقنوات الحلزونية في الأذن الداخلية حيث أشارت البحوث الحديثة إلي أن الأصوات العالية تؤدي إلي موت نهايات العصب السمعي الدقيقة بشكل تدريجي .
وخطورة الأصوات العالية تكمن في أنها قد تؤدي إلي أذية دائمة في العصب السمعي ويصبح من الصعوبة إصلاح الضرر كما تسبب الضوضاء مرض الطنين وهو مرض مزعج جدا.
الأطفال ضحايا الضوضاء
يؤدي عامل السن دورا مهما في تحديد القدرة السمعية واستطاعة الأذن تحمل الاهتزازات الصوتية العالية وتحليلها فالطفل يستطيع تمييز أصوات تتراوح ما بين 20 هرتز و20 ألف هرتز .
والحديث العادي بين الناس تتراوح ما بين 300 و 4 آلاف هرتز .
ويعتبر الأطفال اكثر فئات السن عرضا للتأثر بالضوضاء المفرطة وقد أوضحت دراسات أجريت حول مطار ميونخ الألماني أن الضوضاء الصادرة عن الطائرات أثرت سلبا علي قدرات التعلم لدي أطفال المدارس وتابعت هذه الدراسات القدرات المعرفية للتلاميذ الذين يدرسون في مدارس بالقرب من مطار ميونخ إثر انتقال المطار إلي موقع جديد عام 1992 وخضع الطلبة الذين يقيمون في الموقعين القديم والجديد لعدد من الاختبارات النفسية شملت القدرة المعرفية ووظائف الأعضاء والدافعية واكتشف الباحثون انخفاضا في القدرة المعرفية في مجال الذاكرة طويلة الأجل وفهم اللغة لدي مجموعتي الأطفال خلال إقامتهم قرب المطار بيد أن هذه الآثار السلبية إختفت عند الأطفال المقيمين وقرب موقع المطار السابق بعد عامين من انتقاله في حين أن النوع ذاته من انخفض قدرة التعلم ظهر لدي الأطفال الذين يقيمون قرب المطار الجديد.
أمراض فتاكة وعاهات مستديمة
لا تقتصر الآثار السلبية للضوضاء علي فقدان السمع أو جزء منه فقط بل تتعدي ذلك لتصل إلي مرحلة التسبب بأمراض قاتلة وبإحداث عاهات مستديمة في بعض الحالات .
ففي دراسة لمعهد " المياه والتربة " في برلين تبين أن سدس سكان ألمانيا معرضون لضوضاء شدتها نحو 65 ديسيبل يوميا مما أدي إلي ارتفاع الإصابة بالنوبة القلبية بنسبة 20 في المئه وتبين أن الأصوات المرتفعة في المناطق القريبة من المطارات الهولندية تسببت في إحداث اضطرابات قلبية مباشرة لعدد كبير من سكان تلك المناطق .
كما أظهرت تقارير علمية في هولندا أيضا أن 70 في المئه من السكان القريبين من المطارات يعانون أزمة حادة بسبب الضوضاء وأن في المئه 30 إلي النوم المريح مما تسبب في إرتفاع مبيعات العقاقير المنومة بنسبة تتراوح بين 20 و 50 في المئه .
إن التعرض المتواصل للأصوات العالية والمزعجة يؤدي بالجسم إلي إفراز الأدرينالين بصورة متواصلة مما يؤدي إلي إرتفاع ضغط الدم وظهور مشكلات نفسية واختلال في الوظيفة الجنسية .
وقد تنشأ أيضا بعض الأمراض الفسيولوجية بسبب التعرض الطويل للضوضاء ويؤكد أحد الباحثين أن أهم أسباب التقلب المزاجي الذي يشكو منه الكثيرون في العصر الحديث يعود إلي الضوضاء بطريقة مفاجئة .
وهذه التقلبات المزاجية تؤدي إلي الأرق واضطراب جهاز الهضم وارتفاع نسبة الكولسترول في الدم وعدم القدرة علي التعبير عن المشاعر والأحاسيس بصفة مستمرة .
وتؤثر الضوضاء أيضا في الدورة الدموية حيث تبين أن التعرض المستمر لضوضاء شديدة يؤدي إلي حدوث انقباض في الأوعية الدموية في المخ .
وثمة أمراض أخري أظهرت الدراسات أن الضوضاء تلعب دورا مؤثرا في حدوثها ومنها ما يصعب شفاؤه وعلاجه .
الضوضاء في الميدان الصناعي
يعاني العاملون في الميدان الصناعي آثار الضوضاء وسلبياتها أكثر من العاملين في أي ميدان آخر ذلك أن طبيعة الصناعة تتطلب من العمال التعامل اليومي مع آلات ومعدات وأجهزة كثيرة إضافة إلي وقوفهم ساعات طويلة أمام خطوط الإنتاج .
ومعظم الآلات والمحركات تحدث ضوضاء شديدة أو متوسطة لدي عملها وينتقل ذلك بشكل روتيني إلي العمال الذي يديرون هذه الآلات ويتابعون استمرارية عملها ويراقبونها بإستمرار كما لا تخلو خطوط الإنتاج من ضوضاء مختلفة الشدة
إن هذه الأمور جميعها تتطلب النظر في كيفية معالجة آثار الضوضاء والحد من سلبياتها لا سيما بعد أن أثبتت الدراسات الميدانية أن هذا التلوث الضوضائي لا يصيب العاملين بأمراض جسدية فقط بل إن هناك آثار شديدة الخطورة تنعكس علي العمال والإنتاج وظروف التشغيل . ويبين من دراسة علمية حديثة تناولت تأثير الضوضاء في مقدرة الإنسان وكفاءته في إنجاز الأعمال الذهنية والعضلية أن هذه الكفاءة تقل في ظروف جو العمل الصاحب عنها في حالة وجود مستوي منخفض من الضوضاء .
وبعد أن قام المشرفون علي الدراسة بتكسيه الجدران لامتصاص الضوضاء تبين ما يلي :
1- انخفاض معدل الأخطاء الحسابية بنسبة 52 في المئه .
2- انخفاض معدل الأخطاء في النسخ علي الحاسوب ( الكمبيوتر ) بنسبة 29 في المئه .
3- انخفاض معدل التغيب عن العمل بسبب الأحوال المرضية بنسبة 27 في المئه .
وتشبه هذه الدراسة دراسة أخري تبين منها أن كفاءة العاملين علي أجهزة الكمبيوتر ازدادت بنسبة 12 في المئه عندما وضعوا سدادات الأذن .
لقد قام علماء النفس والاجتماع بإجراء العديد من البحوث والدراسات والتجارب علي العاملين في الميدان الصناعي لمعرفة آثار الضوضاء علي سلوكياتهم ودلت هذه البحوث علي أن تكيف هؤلاء العاملين مع الضوضاء عملية صعبة وأن الضوضاء تسبب القلق وفقدان الإتزان الإنفعالي لدي بعض العمال كما تسبب الغثيان والصداع والتقلب السريع في المزاج وحتي العنة لدي البعض الأخر .
وثبت أن العاملين في أكثر المصانع ضوضاء كمصانع الحديد والصلب يعانون مشكلات اجتماعية مختلفة سواء في العمل أو المنزل ووجد أحد الباحثين أن الطبقات المختلفة من الضجيج لها تأثيرات مختلفة عاي السلوك في الغمل فالترددات العالية تثير أخطاء أطثر من التي تثيرها الترددات المنخفضة كما أن الضوضاء التي تسمع لأول مرة تخفض كفاءة العاملين .
وإذا كان الأشخاص قائمين بعمل يحتاج بطبيعته إلي الاحتفاظ بحالة تنبه فقد تسبب الضوضاء العاليه لهم حدة في الحركات بسبب شدة العصبية ومن ثم تكبر أخطائهم . وهذه النتيجة تؤيد الخبرة العامة التي مؤداها أن العمل الروتيني أقل تأثيرا بالبيئة ذات الضوضاء العالية من العمل الذي يحتاج إلي انتباه ودقه .
وقد دعت هذه الآثار السلبية إدارات المصانع إلي إتخاذ الإجراءات الكفلية بمعالجة الضوضاء والحد من تأثيرها واستعانوا في ذلك بخبرات فنيه وهندسية وطبية نتج عنها استخدام تقنيات متعددة لخفض الضوضاء الناتجة عن الآلات التي تصدر مثل هذه الضوضاء إضافة إلي إعطاء العمال الذين يتعرضون لضوضاء شديدة فترات إستراحة بين الحين والآخر.
التكنولوجيا الحديثة وعلاج الضوضاء
اجتهد الباحثون كثيرا للتوصل إلي طرق فعالة وأساليب ناجحة تساعد علي التخفيف من آثار الضوضاء والحد من مشكلاتها في شتي مناحي الحياه وقد قدمت المفوضية الأوروبية مقترحات لتقليل آثار التلوث الضوضائي علي البيئة وذلك باستخجام معدات خاصة تعمل مثل جزارة العشب وناثرة الأوراق لبعثرة الموجات الصوتية العالية وصدها لتقليل نسبتها إلي الحد المسموح به .
ويعمل هذا النظام بتركيب اللواقط الموجهة حسب إرشادات الحاسوب ( الكمبيوتر ) حيث تقوم هذه اللواقط بالكشف عن موضع الضوضاء وشدتها واتجاهاتها بصورة مستمرة وإشعار الحاسوب بهذه المعلومات ليقوم بتنظيم عمل السماعات الملحقة بالنظام التي ثبت الموسيقي الكلاسيكية لخلق جو من الكرح والمتعة وفي نفس الوقت تبعثر الموجات الضوضائية القادمة من الطرقات المحيطة أو الطائرات الملحقة .
وبدأت باريس بتطبيق نظام الألحان الجديد لتخفف نسبة الضوضاء الصادرة عن وسائل النقل المزعجة مثل الدراجات النارية وذلك بتركيب سماعات خاصة لهذا الغرض أنا في المناطق ذات الضجيج العالي الذي تصل قوته إلي 100 ديسيبل كالمواقع القريبة من المطارات وخطوط السلك الحديدية السريعة فإن النظام الصوتي المعاكس صمم كي يعمل عند اقتراب هذه القطارات لمسافة كيلو متر واحد من مركز النظام ويبدأ بالإنحسار عند إبتعاد مصادر الضجيج لمسافة مناسبة .
وتعد الأعمال الإنشائية أحد الأسباب الرئيسية للضجيج العالي في مدينة باريس لذا أوصت الجهات الرسمية باستخدام حاويات خافضة للصوت لتغطي المساحة الكاملة لمواقع الأعمل . وصممت الحاويات لتغلف بطبقة رملية لامتصاص الضوضاء الناجمة عن العمل والإهتزازات الميكانيكية وأظهرت الإختبارات أن هذه الوسيلة نجحت في تقليل مستويات الضوضاء من 110 ديسيبل إلي 55 ديسيبل ولجأت العديد من الولايات الأمريكية إلي شق الطرق داخل الأنفاق في المناطق المدنية وهي طريقة ذات فائدة ثنائية لأنها تعمل علي دفن الصوت كما توفر مساحات كبيرة يستخدمها الناس مواقف للسيارات ومرافق للعب الأطفال .
ويبدو أن هناك طريقة أكثر سهولة لتخفيف مستوي الضوضاء في الشوارع تتمثل في وضع قيود لتخيف السرعة إذ كلما ازدادت سرعة السيارة ارتفعت ضوضاؤها وطبقا لمنظمة " كلير نجاوس " الأمريكية فإن تخفيض سرعة المركبات من 65 إلي 45 كيلو مترا في الساعة سيؤدي إلي انخفاض معدل الضوضاء بصورة توازي جعل الطريق يعمل بنصف طاقته من حيث عدد السيارات.
نوافذ ذكية
وفي سيدني إبتكرت جامعتها نوافذ تعمل بطريقة أوتوماتيكية لتقليل مستوي الضوضاء وذلك بإنغلاقها آليا عند إرتفاع نسبة الضوضاء لا سيما في المناطق القريبة من المطارات .
وأظهرت الاختبارات أن هذه الوسيلة نجحت في تخفيض الضجيج بحوالي 20 ديسيبل وبما يؤمن نوما مريحا للسكان القاطنين في المنطقة ويعتمد الأسلوب الجديد علي نظام مبرمج علي الحاسوب يمكنه تمييز الذبذبات الصوتية للطائرات المحلقة والمركبات المارة من خلال لواقط مركبة في الخارج تعطي إرشاداتها إلي الأجهزة الميكانيكية لغلق تلك النوافذ عند اقتراب الأصوات غير المرغوب فيها لتتفتح ثانية عند ابتعاد الأصوات المزعجة .
ويمتاز البرنامج الجديد بقدرته علي تميز الأصوات المسببة للضوضاء فهو مثلا لا يقوم بإغلاق النوافذ عند إرتفاع أصوات بعض الحيوانات مثل الكلاب أو حدوث صخب اعتيادي بين أولاد الحي إضافة إلي تنسيق عمليات الفتح والإغلاق مع الحاجة الفعلية لتهوية تلك الأبنية وبذلك تكون تلك النوافذ خير وسيلة لتنظيم بيئة ملائمة ضمن عالم مليء بالضوضاء .
ولا ريب في أن استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة للحد من الضوضاء وآثارها واتباع نصائح وارشادات الأطباء وتوجيهات أقسام السلامة المهنية والأمن الصناعي واتباع إرشادات المرور بشكل سليم سيساهم في تخفيف الآثار السلبية للضوضاء ويحد من إصابتها ومشكلاتها .
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 17