بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

البقع الشمسية

البقع الشمسية

البقع الشمسية وآثارها المناخية

م. رابعة حسن

لم يكن الفلكي الإيطالي الفذ غاليليو غاليلي يدرك أن تلسكوبه الموجه نحو السماء في العقد الأول من القرن السابع عشر سيكشف له عن ظاهة مثيرة تؤدي دورا مهما وممؤثرا في التقلبات المناخية وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الأحياء الأرضية كافة.

فمن مرصده المتواضع أخذ غاليليو في عام 1609 برصد تلك السماء الممتدة ومنها التي لا تزال تحمل في طياتها أسرار كثيرة ودقق هذا الفلكي كثيرا في سطح الشمس ليكتشف فيه كثيرا من المعالم والسمات أهمها أن هذا السطح الذي قد يتخيله المرء أملس ومنظما بعيد عن هاتين الصفتين بل إنه ذو بنية حبيبية.

واكتشف غاليليو ظاهرة لافتة ايضا في سطح الشمس إذتبين له وجود بقع كثيرة على ذلك السطح عرفت فيما بعد باسم "البقع الشمسية" فما هي هذه البقع وما تأثيرها على المناخ وما دورها المستقبلي في مجال الأحياء الأرضية.

اكتشاف البقع وتركيبها

يعرف العلماء البقع الشمسية باسمين قريبين أولهما "البقع الشمسية" والأخر "الكلف الشمسي " مع أن المصطلح الأول دارج أكثر من الأخر وهو ترجمة للمصطلح Sunpots.

وهذه البقع تعد من أكثر مظاهر النشاط الشمسي أهمية وأبرزها وأوضحها على سطح الشمس ولقد أثارت العديد من التكهنات عند القدماء فيما يتعلق بماهيتها وآثارها فالبعض أعتقد أنها كواكب صغيرة تدور حول الشمس ضمن مدار عطارد والبعض الاخر وصفها بأنها جبال منطقة فوق السحب المضيئة التي تغطي سطح الشمس أما غاليليو فقد اعتقد بأنها سحب منجرفة في جو الشمس.

وفي حقيقته الأمر فإن البقع ليست أي أمر مما تخيله أو اعتقده هؤلاء فهي مجرد أجزاء من سطح الشمس ذات حرارة اخفض مما حولها وليست ثابتة بل إنها تنمو وتتطور وتتقلص وتتلاشى وتبدو متحركة على سطح الأرض تارة في مواجهتا وأخرى بمنأى عنها وقد لا تخضع لها لكون البقع لا تتشكل سوى في أجزاء من سطح الشمس.

وقد عزيت إليها الكثير من الأحداث الأرضية كالزلازل والبراكين والعواصف والأعاصير وموجات البرد الشديد والثلوج الكثيفة والأمطار المسببة للفيضانات وغيرها من الظواهر المناخية.

وثمة دراسات تشير إلى معرفة أولية بالبقع الشمسية لدى حضارات قديمة وربما يعود ذلك إلى ما قبل الميلاد وقد برز في ذلك الصينيون حيث أشارت بعض الدراسات إلى قيامهم برصد للبقع الشمسية منذ نحو عام 354م. ولاحظوها بعد ذلك في أعوام لاحقة.

دورات متعاقبة

ظهرت الإشارة الأولى إلى إمكان القيام بالتنبؤات المحددة للمسار المستقبلي للتغيرات الشمسية عام 1843 عندما أعلن هنريش شوابي ( وهو صيدلي ألماني من هواة رصد الشمس) أن عدد البقع الشمسية المظلمة التي يمكن رؤيتها على قرص الشمس بتغير بانتظام في دورات طولها عشر سنوات تقريبا.

وقد علم بكشف شوابي المتعلق بدورة البقع الشمسية مدير مرصد زيوريخ الذي كان قد أسسه حديثا عام 1855 واسمه ج رودلف وولف بدأ وولف بمراقبة البقع وجمع معلومات مستفيضة عنها فتبين له أن هناك دورا وسطيا معدلا وله 11.1 سنة لدورة البقع الشمسية على الرغم من أن كلا من الدور والسعة كانا يتغيران كثيرا من دورة إلى أخرى.

ومن المعلوم حاليا أن التغير الذي يطرأ على عدد البقع الشمسية كل 11 عاما هو أوضح المظاهر المرئية لتذبذب صميمي يتصف به الحقل المغنطيسي للشمس ويؤثر في مظاهر أخرى لسطح الشمس وجوها وقد يؤثر في أعمق أقسامها الداخلية أيضا.

وفي عام 1912 أعلن "هيل" وهو أحد الباحثين الفلكيين أن القطبية المغنطيسية mayntic polanty لهذه البقع الشمسية قد بدلت إشارتها في أول بقع للدورة الجديدة التي بدأت تلك السنة وبحلول عام 1924 كان هيل قد جمع أرصادا كافية مكنته من الإعلان عن أن هذا المتبدل في القطبية كان يحث عندما يكون ناط البقع في حده الأدنى وأنه كان سمة أساسية لدورة البقع الشمسية.

وقد استنتج هيل من هذا أن الدورة البالغة 11 عاما لعدد البقع الشمسية هي في الحقيقة نصف الدورة المغناطيسية الشمسية البالغة 22 عاما. والتي تعكس خلالها مجموعات البقع الشمسية قطبيتها مرتين عائد بذلك إلى حالتها الأصلية.

خصائص البقع الشمسية

ثمة خصائص معينة تتصف بها البقع الشمسية من أهمها:

1- شكل البقع الشمسية:

تبدو البقع الشمسية بأشكال متنوعة وأحجام مختلفة منها ما يكون فرديا والبعض الأخر يبدو بشكل تجمعات شبه متصلة مع بعضها أو منفصلة ومع أنها تبدو فجوات في سطح الشمس ذات أشكال غير منتظمة إلا أنه يغلب عليها الشكل شبه الدائري الشديد التجزئة عند أطرافه وذات حواف حادة عموما عند أطرافها.

وتنظم البقع الشمسية عادة بشكل أزواج وأحيانا بشكل مجموعات فهي غالبا ما تبدو بشكل مجموعتين أو أكثر وكل مجموعة تضم عددا من البقع الشمسية وبعض البقع ذات امتداد محدود جدا وهي أشبه بالمسامات لصغرها ومنها ما هو صغير الحجم يتراوح ما بين 10 و 50 ألف كم ومنها ما يتجاوز قطره 100 ألف كم وهذه الأخيرة تعد من البقع الضخمة.

2- بنية البقع وتركيبها:

غالبا ما تكون بنية البقع معقدة غير أن جميع البقع تتألف من منطقتين إحداهما منطقة مركزية مظلمة تدعي منطقة الظل والأخرى خارجية محيطة بالمنطقة المركزية وهي أقل ظلمة وقتامة وتدعي بمنطقة شبه الظل.

وتبدو البقع الشمسية عموما في قرص الشمس على شكل صحون مجوفة ضخمة مائة في لونها إلى القتامة قياسا إلى لون باقي سطح الشمس الشديد اللمعان والإضاءة.

3- حرارة البقع الشمسية:

استمدت البقع الشمسية وجودها وصفاتها من انخفاض درجة حراراتها بالنسبة إلى ما يجاورها من سطح الشمس فدرجة الحرارة الوسطى لسطح الشمس بحدود 6000 درجة سيلزية في حين تكون درجة حرارة المنطقة المركزية من البقعة الشمسية بحدود 4000 درجة سيلزية لذا فإن البقع الشمسية مناطق باردة نسبيا قياسا بما حولها.

وعلى الرغم من الفارق الكبير بين هاتين الدرجتين وبالافتراض أنه يمكن عزل البقعة الشمسية عن الشمس والنظر إليها فقط وهي في السماء فلسوف تبدو أي بقعة شمسية كأنها جسم ساطع الإضاءة سيبهر الإبصار بضيائه.

ويسبب انخفاض حرارة البقع الشمسية قياسا بسطح الشمس فإن الطاقة الاشعاعية المنطلقة من تلك البقع في الفضاء تكون أقل وبالتالي تظهر أكثر سوادا.

البقع الشمسية والأزون

إن قياس التغير الشمسي البالغ 11 سنة أسهل إلى حد ما في الأطوال الموجية للإشعاع فوق الأشعة البنفسجية منه في الاشعاع فوق البنفسجي في الخلاء وقد كرست الجهود خلال العقدين الأخيرين للأرصاد في الأطوال الموجية المافوسجية وذلك لأنها تؤثر تأثيرا مباشرا في طبقة الأوزون الأرضية.

وتشير النماذج الحالية لإنتاج الأوزون إلى أن التغيرات في إصدارات الأشعة المافوسجية الشمسية قد تحدث تغيرا يقدر بما بين 1 و 2 في المئة بالأوزون الأرضي الكلي وقد يكون هذا سببا مهما في النقص الشامل في الأوزون الستراتوسفيري الذي قاسته الاقمار الاصطناعية بين عامي 1978و 1985 وهي الفترة التي شهدت أكبر انحدار للنشاط الشمسي.

إن التناقص البطيء للأوزون الأرضي الشامل أقل إثارة من الثقب المكتشف في عهد قريب في طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية لكنه لو استمر في التناقص لكان الأمر أخطر حتى من ثقب الأوزون.

اكتشافات حديثة

في عام 1987 أوردت كارين لا بيتسكي (من جامعة برلين الحرة) علاقة مقنعة عن وجود صلات بين البقع الشمسية والتقلبات المناخية فقد اكتشفت هذه الباحثة أن الدفء الذي يتحدث في أواسط الشتاء في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية كان يرتبط على نحو لافت بالدورة الشمسية خلال الأربعين عاما الماضية شريطة أن ندخل في الحسبان التحول في اتجاه الرياح الستراتوسفيرية الذي يحدث كل عامين تقريبا.

وقد صمدت هذه العلاقة التي تم اكتشافها أمام الاختبارات الاحصائية المتكررة كما أ،ها تنبأت بشكل صحيح بالدفء الذي تسبب في حدوث فصل الشتاء المعتدل جدا في عام 1988 – 1989 في المملكة المتحدة وأوروبا الغربية.

ومن المؤكد أن التوصل إلى علاقة بين المتغيرات الشمسية والمناخية لا تتسم بالغموض وقابلة للتعليل فيزيائيا سيمثل تقدما هائلا في فهم الصلة بين الأرض والشمس.

الأمطار والبقع الشمسية

إن العلاقة بين أعداد البقع الشمسية وكمية الهطول السنوية يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية أو معدومة وهذا يعتمد على موقع مكان القياسات المناخية ففي العروض الاستوائية مثلا في العلاقة إيجابية حيث يتبين من السجلات أن معدلات هطول الأمطار كانت خلال سنوات البقع العظمى أكبر مما في سنوات البقع الصغرى.

وبالنسبة للاختلافات الفعلية للامطار وعلاقتها مع دورة البقع الشمسية فهي عموما مختلفة مع الموقع الجغرافي ويحدث الهطول الأكبر في سنوات البقع الأعظمى في العروض المدارية ( + - 20 ).

والجفاف هو محصلة لقلة الأمطار إلى الحدود المعيقة للزراعة البعلية أو تدنيها بنسب كبيرة دون المعدل ( أكثر من 30 في المئة) ومعظم مناطق الزراعات الجافة (البعلية) في الولايات المتحدة توجد في السهول العليا وولايات الغرب الأوسط وهذه المناطق تعاني من تعاقب حدوث الجفاف عليها بفاصل زمني بين 20 و 22 عاما موافقا بذلك لدورة (هال) للبقع الشمسية.

وما بين عامي 1820 و 1955 حدثت ثماني فترات جافة في (نبراسكا) ثم تحديدها من تحليل حلقات الاشجار وكان حدوثها متوافقا عموما مع سنوات البقع الصغرى التالية للبقع العظمى سلبي.

درجة الحرارة والبقع الشمسية

ثمة مؤثرات عديدة تدل على ترابط درجة الحرارة مع دورة البقع الشمسية كما في كمية الجليد واستمراريته في العروض العليا ( التي تعتمد على الهطول أيضا) وعدد الجبال الطافية (الايسبرغ) التي تشاهد بكثرة في المحيط حول القارة القطبية الجنوبية وطول فعل النمو.

وقد أظهرت تلك المؤثرات وجود ترابط سلبي مع دورة (11) سنة للبقع الشمسية.

وتظهر الدراسات أيضا أن هناك ميلا عاما للضغط المنخفض في سنوات التبقع العظمى في العروض المدارية وميل للارتفاع في العروض المعتدلة وهذا الميل يبدو واضحا بالنسبة للفروق السنوية في الضغط في نصفي الكرة الشمالية والجنوبية وفي فصلي الشتاء والصيف.

ومعدلات الضغط تكون أعلى في سنوات البقع العظمى في العروض المرتفعة ويوجد انزياح في كتل الهواء باتجاه العروض الأعلى في سنوات النشاط الشمسي الكبرى.

وثمة علاقات أخرى بين البقع الشمسية ومسارات العواصف والكهرباء الجوية وهذه العلاقات تدل على ذلك التأثير الشديد الذي تسببه البقع الشمسية والذي مازال بحاجة إلى دراسات موسعة لتبيان حقيقة ذلك التأثير وكيفية التعامل معه.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 23